خلف كواليس شاشات السوشيال ميديا! ... لعبة صناعة التأثير والتسويق للمؤثرين

‏‎بقلم: خالد حمادي 

من الأشياء التي تجعلك تحاول الهروب  من الشاشات الصغيرة اليوم هو التكرار، لعنة النسخ واللصق ، التأثير الإفتراضي على دماغك كأنك قرص صلب قابل لتخزين الداتا ومحوها من قبل مبّرمج ، تغطية العقل البشري بالعاطفة، هذا هو  أسلوب الحرب الجديدة المُتَّبَعة حديثاً، ناشر مجهول ومليون فرد  معلوم تمت تعبئة عقولهم بالكذب والتفاهات. 

للأسف السوشيال ميديا هى أحد أهم اسباب فساد المجتمعات و تربص الناس ببعضهم، فرغم فوائدها بإعطاء منبر لمن لا منبر له، إلا أنها أولا: كشفت خبايا كل طبقة كانت بمعزل عن الأخرى أمام بعضها البعض. 

‏فما السبب الذي يجعل جمهور الميديا  يخترع حياة وهمية يعيش بداخلها ويصدقها بكل تفاصيلها، هل هذا مرض نفسي أم مسألة هروب من الواقع؟

‏البعض  منا صار عنده مرض السوشيال ميديا، وصار يعوض النقص الذي بحياته الطبيعية  بالحياة الإفتراضية، حتى أنك تلتمس في منشوراتهم وتغريداتهم وتعليقاتهم  أنهم يعبرون عن حياتهم، مع أنهم ينكرون هذا  الشيء بمنشورات لاحقةوفي الوقت الذي لم يسألهم أحد عن ذلك، فخطر السوشيال ميديا  لم يعد على الصغار فقط بل على الكبار أيضا. 

يقول الصحفي مازن الزيدي: ‏الحروب الافتراضية ليست أقل سخونة من الحروب الواقعية، فما تخسره في الأولى قد لا تعوضه بالثانية وبالعكس، اللايك أحياناً يقتل أكثر من الرصاصة.

ويقول أحدهم: لا  ‏أشجع الحروب الإفتراضية لكنني لا أحب إنزالها الى الواقع أيضا، هما عالمان مختلفان وسر التميز  في إختلافهما، لا تفسدوا علينا متعة المعارك التي لا قتلى فيها ولا جرحى ولا مساجين.

‏البعض يقول أن الحروب الإفتراضية لا تصنع نصرا، كما أنها لا تثبت فشلا، فلما إصرار البعض على الاستخفاف بها، ووضعها في خانة العجز، أنظروا إلى أنفسكم كم ساعة تقضونها بمواقع التواصل الإجتماعي؟ و كم معلومة تكتسبونها يوميا؟ كم من المواقف سجلتم سواءإجتماعيًا أو شخصيا؟و هل لدى المعترض بديل آخر أو موقف مغاير؟!

لا تستهينوا بما تشاهدون في السوشيال ميديا، فما تكرر "تقرر"  أي أنها تصور لنا أنماط معينة في أدمغتنا عن أسلوب حياة أخرى مغايرة تماماً تجلعنا نتبعها دون وعي. 

‏السوشيال ميديا أصبحت بالنسبة للكثير من الجماهير الإفتراضية؛ هي الوسيلة والغاية لخرجاتهم و رحلاتهم وإنجازاتهم و حتى خصوصياتهم العائلية والمجتمعية، هدفهم إبهار الآخرين لا إستمتاعهم الشخصي بها، لقد أصبح الإهتمام والهوس بإنطباع الناس أكثر مما نريد الوصول إليه حقا بعيداً عن الهدف الأسمى، المتعة الوحيدة التي بقيت لديهم هي في التعليقات الحاقدة والتفخيمية حتى لو على أوهام ومظاهر فارغة.

تقول الصحفية ليلاس السويدان عن المتوهمون في عصر السوشيال ميديا : ‏يتغلبون على ألمهم لكونهم مجرد  أشخاص عاديين ومحبطين لألف سبب باختلاق شخصيات ذات أهمية على السوشيال ميديا، أوهام الحياة الإفتراضية وجرعاتها المهدئة أصبحت إدمانهم!

ويقول يحي أحمد محمود: ‏خطر على بالي اليوم أن السوشيال ميديا تشبه السحر بالمعنى السلبي مكان تتكثف فيه الأوهام ويغرق فيه الإنسان في بحر من التصورات المغلوطةوالأحجام غير الطبيعية للأفعال والأشخاص، وكلما زاد الوقت الممضي هنا اختلت المعايير التي يحكم بها الإنسان على العالم كأنه ينظر للعالم عبر عدسة مكروسكوب، ‏ومن الأوهام وهم التأثير وهذا الوهم ناتج عن وهم إمكانية استبدال العلاقة بمجهولين بالعلاقات الفعلية التي تقدمها الأسرة والصداقة والارتباط العاطفي إلخ، كثير من المشاعر تفقد جلالها عند مشاركتها مع الأشخاص الخطأ، لكن ذلك لا يبدو،و لا يظهر سوى الأثر الوهمي.

‏ومن أكثر الأشياء التي أراها أن التجاهل وليس الجهل هو الأكثر انتشاراً في ظل عصر المعلومات، لا يملك الجميع جرأة مواجهة الواقع بكل إشكالياته بل يفضلون صناعة عالم موازي من الوهم يضمن لهم العيش بهناء مصطنع ولو كان مؤقتاً حتى تجبرهم كارثة ما على الاستيقاظ!

‏إذا كان هناك من يتلقى التفاهة عن قصد أون دون قصد ، لماذا نلوم صانعها؟

هناك أشخاص هنا أتقنوا لعبة السوشيال ميديا ويعرفون كيف يوجهون كل الإهتمام إلى صفحاتهم، طالما هناك من يرتضي نشر محتواها حتى ولو في إطار الانتقاد!

‏‎‎في التأثير على الجمهور هناك دوماً طريقان لا ثالث لهما:

أن نرفع من مستوى الجمهور ليصبح أكثر وعياً أو ننزل له وربما نزيده جهلاً، الخيار لنا.

‏بعض الناس لم يفهموا لعبة السوشيال ميديا بعد أو ما الفكرة منها ،هي ليست للتواصل فقط، بل هناك طرف يعمل لصناعة طريقه بناء على ما نسوق له ونستهلكه في هذه الوسائط، بساطة تحكمهم بما يصبح متداولا وما يصلك يجعلهم يخدعونك ، مثلا إذا دخلت هاشتاق معين ،وقلت كل الناس تتحدث عن هذا الموضوع إلا أنا ! ستحس أنك غريب عنهم إن لم تتحدث أيضا  ، وقيسوا على ذلك.

‏هذه العبارات القصيرة من فيلم Doubt لازالت خالدة في ذاكرة كل من شاهده، ربما لأنها تصف مانشعر به أحيانا خلف هذه الشاشات الصغيرة؛ "تخيل العزلة؛ وكأنك ترى العالم من خلال نافذة في الخارج أناس سعداء غير متعبون وفي الجانب الآخر..أنت!". 

هذه  العزلة جسدت أيضا  في كتاب فن اللامبالاة

"إذا انتابك شعور سيء تجاه نفسك ولو لمدة خمس دقائق، فإنك تجد نفسك على الفور أمام مئات الصور لأشخاص سعداء تماما يعيشون حياة مدهشة إلى أقصى حد". 

‏إن الميول ونقاط الضعف التي تشكل مصدراً للقلق في الحياة الواقعية.. يمكن أن تتحول إلى ما يشبه صراع نفسي على الافتراضي..!

الكثير منا في عصر الشبكات الإجتماعية لاحظ أن هناك  صفحات كبيرة لمؤثرين جدد بلغت ملايين المتابعات والمشاهدات في أقل وقت ممكن، لنتساءل: هل تابع وفهم وإقتنع وأُعجب كل هؤلاء المتابعون  بما يقدمه هولاء المؤثرون و المدونون على خشبات هذه المسارح الإفتراضية ويرونه محتوى مفيد لهم، أم أن الأمر يتعلق بقوة التوجيه والتأثير في الجموع من بعض الصفحات الكبيرة وبعض مشاهير الفيسبوك والتيك توك وتويتر وانستغرام وغيرها من المنصات ؟!

يقول أحدهم:

‏‎تأثير الجموع في صفحة تقدم محتوى نظيف أفضل من أصحاب الصفحات التافهة التي لا تقدم شئ، لهذا ما المانع من أن تتصدر الصفحات و الأشخاص ذات المحتوى الهادف و ما شابه المشهد عبر الفضاء العام هذا، وذلك حتى تختفي على الأقل مقولة"لماذا مازلتم تشهرون التافهين" 

‏‎‎لنقول أن التحكم في الحشود الجماهرية في هذه الوسائط الرقمية أصبح أسهل، ليس رغبة وإعجابا في هولاء المؤثرين، و لكن تلبية لدعوات  أخرى من جهات  ومؤثرين أخرين قد تكون صفحات عامة لها تأثير موزاي وقوي في هذه الجموع الرقمية، و كأننا أصبحنا لا إرادياً نحس أننا مسؤولين على إرضاء تلك الصفحات والمؤثرون الذين نحن معجبون بهم.. و هو نفس مبدأ التسويق الشبكي لسلعنا ومنتوجاتنا. 

‏‎ليس بعيدا عن هذا،  هل لاحظتم بأن القوى الشعبية المحركة  أثناء الثورات العربية مثلا  كانت ليس لها ُعشْر متابعي ممثل أو مغني، لكنها كانت مؤثرة جدا في صياغ التوجه الشعبي والجماهيري نحو التغيير، الفاعل الحقيقي اليوم  هو الفاعل في في عوالم صناعة جمهوره والتأثير فيها مهما كانت الأساليب والحيل،  العالم الإفتراضي سيظل غالبا افتراضيا، والمراهنة على نقل التأثير الإفتراضي إلى الواقع مراهنة ناجحة لمن يريد أن يسوق نفسه خلف الشاشات. 

‏‎هكذا هو العالم  يتغير، و الإفتراضية أصبحت واقعية، لا محال و لا مهربا منها، الحقيقة أن نتاج التطور أصبح وسيلة أخرى للمكاسب، و القوي هو من يفرض شروطه و قيمه على المشاركين ومستخدمي آلات السوشيال ميديا،الأبحاث حول التأثير  للفضاء الإفتراضي العام  يجب أن تقرأ بهدوء و موضوعية حتى يفهم صياغها بعيد عن المغالطات والشائعات، وبما يضمن التواصل الجمعي الهادف.

‏معركة اليوم هي معركة وعي بإمتياز وهي أخطر و أسرع المعارك على الإطلاق؛ لأنها تتعلق بمستويات غير مادية كالفكر والقيم وميدانها ‎الفضاء الإفتراضي، ولأن العدو فيها غير مرئي في الكثير من الأحيان ويملك من وسائل التأثير على ‎الوعي الفردي والجماعي ما يصعب مجابهته في ظل ‎عولمة كاسحة جارفة.

‏لذا انتبهوا .. انصحوا من حولكم، برامج التواصل الإجتماعي جميلة لكنها أيضاً فخاخ خطرة ..

سهل جداً السيطرة فيها على العقول والتأثر بها إدمان للبعد عن محيطك، لا أحد يعول على التربية فيها إلا القلة، لن ينصحك أحد إلا وكنت مؤثرا فيها ولو بدرجة ما، ومدركا دعاياتها وكواليسها البيضاء أو السوداء، التأثير في العالم الإفتراضي وخاصة لمن يتقن هذا الدور كبير جدا وخطير جداً في آن واحد. 


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

لماذا نريد معرفة يوميات الأخرين؟...بين سيميولوجيا الجذب لدى نجوم الميديا وترندينغ الجمهور الشبكي

الدعايات المحوسبة...الجيل الجديد من حروب الهاشتاغ و صناعة البوتات الرقمية عبر منصات الميديا الجديدة